سورة الطارق - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الطارق)


        


{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)}
{النجم الثاقب} المضيء، كأنه يثقب الظلام بضوئه فينفذ فيه، كما قيل: درّيء، لأنه يدرؤه، أي: يدفعه. ووصف بالطارق؛ لأنه يبدو بالليل، كما يقال للآتي ليلا: طارق: أو لأنه يطرق الجني، أي يصكه. والمراد: جنس النجوم، أو جنس الشهب التي يرجم بها.
فإن قلت: ما يشبه قوله: {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق (2) النجم الثاقب (3)} إلا ترجمة كلمة بأخرى، فبين لي أي فائدة تحته؟ قلت: أراد الله عزّ من قائل: أن يقسم بالنجم الثاقب تعظيماً له، لما عرف فيه من عجيب القدرة ولطيف الحكمة، وأن ينبه على ذلك فجاء بما هو صفة مشتركة بينه وبين غيره، وهو الطارق، ثم قال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطارق (2)} ثم فسره بقوله: {النجم الثاقب (3)} كل هذا إظهار لفخامة شأنه، كما قال {فَلاَ أُقْسِمُ بمواقع النجوم وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ} [الواقعة: 75- 76] روي: أنّ أبا طالب كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانحط نجم، فامتلأ ما ثم نوراً فجزع أبو طالب وقال: أي شيء هذا؟ فقال عليه السلام: «هذا نجم رمي به، وهو آية من آيات الله» فعجب أبو طالب، فنزلت.


{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (4)}
فإن قلت: ما جواب القسم؟ قلت {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} لأنّ (إن) لا تخلو فيمن قرأ لما مشددة، بمعنى: إلا أن تكون نافية. وفيمن قرأها مخففة على أن (ما) صلة تكون مخففة من الثقيلة، وأيتهما كانت فهي مما يتلقى به القسم، حافظ مهيمن عليها رقيب، وهو الله عز وجل {وَكَانَ الله على كُلّ شَيْء رَّقِيباً} [الأحزاب: 52]، {وَكَانَ الله على كُلّ شَيْء مُّقِيتاً} [النساء: 85]، وقيل: ملك يحفظ عملها ويحصى عليها ما تكسب من خير وشر.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وكل بالمؤمن مائة وستون ملكاً يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل الذباب. ولو وكل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين».


{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)}
فإن قلت: ما وجه اتصال قوله {فَلْيَنظُرِ} بما قبله؟ قلت: وجه اتصاله به أنه لما ذكر أن على كل نفس حافظاً، أتبعه توصية الإنسان بالنظر في أوّل أمره ونشأته الأولى، حتى يعلم أنّ من أنشأه قادر على إعادته وجزائه، فيعمل ليوم الإعادة والجزاء، ولا يملى على حافظه إلا ما يسره في عاقبته؛ و{مِمَّ خُلِقَ} استفهام جوابه {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6)} والدفق: صبّ فيه دفعٌ. ومعنى دافق: النسبة إلى الدفق الذي هو مصدر دفق، كاللابن والتامر. أو الإسناد المجازي. والدفق في الحقيقة لصاحبه، ولم يقل ماءين لامتزاجهما في الرحم، واتحادهما حين ابتدئ في خلقه {مِن بَيْنِ الصلب والترائب} من بين صلب الرجل وترائب المرأة: وهي عظام الصدر حيث تكون القلادة. وقرئ {الصلب} بفتحتين، والصلب بضمتين. وفيه أربع لغات: صَلْب، وصُلْب، وصَلَب وصَاْلب قال العجاج:
في صَلَبٍ مِثْلِ الْعِنَانِ الْمُؤْدَمِ ***
وقيل: العظم والعصب من الرجل، واللحم والدم من المرأة.

1 | 2